الجمعة، 13 نونبر 2009

أسلوب الخبر

أسلوب الخبر والإنشاء لا يكتفي بأنه يجسّم ظلال الجمال الأَخَّاذ؛ ويمتح من فضاء النور رونقه، ويأخذ من وسط
العِقْد جوهرته ودُرَّته وخَرِيْدته فقط وإنما يحقق للفكر عطشه إلى المعرفة، وإدراك أسرارها.... ودراستنا لأسلوب الخبر والإنشاء لم يكن على اعتبار النسخ والتقليد أو التبعية والاستحضار لكل ما قاله القدماء والمحدثون... بل كان على وجه التحليل والدرس والفهم والموازنة والاستقراء والاستنباط في إهاب ثوب جمالي شفاف نسج خيوطه الذهبية مع معين المذاهب الجمالية والنقدية واللغوية الحديثة... في الوقت الذي بني على ماهية الأصالة الفاعلة.‏
إنها دراسة تستند إلى مفهوم الفعل الممتد المؤثر في جوهر الأساليب الجمالية لعلم المعاني ومعرفة أبعادها الحقيقية والمجازية والوقوف عند أسرارها العظيمة التي لا تنتهي.... فكلما تأملها الدارسون بعيون مفتوحة، وقلوب يقظةٍ، ونفوسٍ شغوفٍ بكل جديد أبانت لهم عن مخزون دلالي لا ينفد ولا ينقطع على مرّ الأجيال... وبهذا الوعي يتقدم أسلوب الخبر والإنشاء ليحتل المكانة الأولى في جمالية علم المعاني... ولهذا كان الانحياز إليه
إنهم أدركوا أهمية الخطاب البلاغي اللغوي في عناصره ومكوناته، ولا سيما حين اتجه نظرهم إلى المفهوم الجمالي المثير للدهشة والانفعال والإدراك... فالتقوا مع الشكلانيين الجدد، وزادوا عليهم وَلعَهم بالشكل الجمالي الذي يكثف رسائل عديدة من أهمها الرسالة الدلالية المجازية البعيدة الغَوْر، بمثل ما التقوا بالنقاد أنصار الشكل. ولعل البلاغيين العرب قد سبقوا الغرب حين أكدوا أن الاتصال بالصور البلاغية وأساليبها، ومعرفة دلائلها لا يتم في ضوء المفاهيم البلاغية فحسب؛ بل يرتقي إلى مستويات أخرى في التركيب، يقوم بعضها على مستوى توخِّي معاني النحْو كما هو عند عبد القاهر الجرجاني؛ وبعضها الآخر على الدال والمدلول والمرجع كما هو عند أبي سليمان الخطابي في رسالته عن إعجاز القرآن... وهذا كله أسبق من مفاهيم الأساليب الحديثة الغربية ومن مفاهيمها اللسانية والجمالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق