الخميس، 4 مارس 2010

ساحـــــــــــــــة جامع الفنــــــــــــــــــاء


لا يمكن للزائر إغفال ساحة جامع الفنا الفسيحة بمراكش التي أعلنتها اليونيسكو موقعا حضاريا في عام 2001. ولا تُصدق زيارة المدينة دون الانعراج نحو الساحة التي تشكل عصب الحياة الحقيقي لها. سحر جامع الفنا يتجسد في تعدد فرق الترفيه على اختلاف أنواعها ومواقف بيع مختلف الأطباق الشهية التي تستقطب السياح لزيارة هذا الموقع المغربي الأكثر شهرة.
في جامع الفنا يبدو أن عدد الزائرين يفوق السكان المحليين بحيث يتجولون للتمتع بالمناخ الفريد الذي يميز الساحة. ويتوجه آلاف الزوار من كل أقطار العالم كل يوم لالتقاط صور فوتوغرافية أو فيديوية لساحة المدينة. ففي عام 2006، استهوت المدينة مليون ونصف المليون سائح من أصل 6.6 مليون زائر على صعيد البلاد ككل. ويتوقع أن يبلغ العدد في العام الحالي قرابة مليونين ونحو 2.5 مليون في العام القادم.
ساحة جامع الفنا توصف بأنها ملتقى الثقافات المغربية وتضم تجارا وفناني الترفيه من جميع الأصناف. فهناك القصاصون الذين يذكرون بما لهم من مهارات بفن يعود لما قبل تاريخ الإذاعة والتلفزيون والسينما بل الهاتف. ومع ذلك فحكاياتهم الثاقبة في القدم والتاريخ تأتي بالكثير من المُتعة والترفيه للجمهور. السائحة الفرنسية جاكلين دارفو رغم أنها لا تفهم أي كلمة من العربية عبرت عما لأثر السماح لمثل هذه القصاصات من سحر غامر وهي تسمع لأحدهم فتابعت حركاته بانجذاب خلاق. وهذه أول مرة تزور فيها مراكش ولم تتخيل أبدا أن مثل هذه المهنة ما زالت قائمة لحد الآن. ترى الشباب يحيطون بالحاكي الذي يقطع الحكاية بين الفينة والأخرى لطلب بعض الدريهمات من الجمهور. فالرجل يظهر مهارة بارزة لحكي قصص من أسطورة الألف ليلة وليلة فيقذف بسامعيه بشغف في عالم الأسطورة والخيال الممتع.
في عام 2005، قامت بلدية مراكش المدينة بتأسيس جمعية بكلفة 400 ألف درهم لدعم ظاهرة حكي الحلقة في ساحة جامع الفنا بحيث تقدم للمخضرمين منهم مساعدة مالية شهرية مقابل إطلاع شباب الناس على حرفيتهم في القص. هدف الجمعية يتمثل في تشجيع التفاعل بين الأجيال والمساعدة في ضمان بقاء مهنة الحكي والتراث الشفهي لهذه المنطقة.
وبمرورك قرب القصاصين، ترى بعض قارئات الحظ جالسات قربهم يتقربن للمارة ويعدنهم بكشف أسرار مستقبلهم. تقترب الفتاة المغربية كريمة المعطي من إحداهن والفرحة بادية على محياها. مرتدية جلبابها كاشفة لنصف وجهها، تبعثر القارئة أوراق وتبدو أنها في حالة توسط بين الأرواح ثم تُخبر كريمة أنها مسحورة وأنها في حاجة لطلاسم شافية فتنفجر كريمة ضحكا ثم تقدم للقارئة بعض الدراهم. إنها لا تعتقد في ترهات قارئات الحظ وزعمهن بأن لهن قوات خارقة للعادة ولكن كانت تريد فقط قضاء دقائق من وقتها في هذا المكان المتجذر في التاريخ. وكل مرة تأتي فيها لمراكش، لا تستطيع هذه المعلمة الشابة مقاومة الرغبة في التوجه إلى قارئات الحظ في الساحة لبعض المتعة من كلامهن.
مع نزول ظلام الليل الدامس، يتجمهر الناس في ساحة جامع الفنا لتذوق نسمات الريح المسائي البارد والتمتع بالعروض العائلية. فالبهلوانيون يستعرضون ما راق لهم من كفاءات في القفز الجماعي بعرض ارتجالي يشد انتباه ونفس المشاهدين معتمدين على سلاسة ومرونة أجساد أفرادهم للتحرك السريع وإنشاء أهرام بشرية في السماء حافيي الأقدام مرتدين ذلك الزي التقليدي المزركش باللونين الأحمر والأخضر. ولا يسع المارة إلا التوقف وقضاء ثوان من التمتع والتقاط صور لهذه اللحظات الفريدة من رحلتهم. سمير أحد أفراد الفرق البهلوانية، أوضح أن أبيه ظل يتدرب منذ كان عمره أربع سنوات فورث عنه المهنة. وقال "كان أيضا بهلواني في هذه الساحة. استغرق سنوات لتلقيني التقنية وكل أسرارها". وبفضل مهنته، أصبح سمير قادرا على إعالته أسرته المحتاجة. لكنه لاحظ بأنه في السنوات القليلة الماضية، بدا دخله يقل رغم ازدياد عدد الزائرين. وأوضح "هناك العديد من الناس الذين يتمتعون بالفرجة والتقاط الصور دون التبرع بأي شيء".
أما مدربو الأفاعي والثعابين فيُبهرون الجمهور بجعل هذه الثعابين المدجنة ترقص أمام أنظارهم. البعض من الزائرين يشتري هذه الثعابين فيما آخرون مثل الحاج المحجوب يتعقبها ويصطادها. وأوضح أن هذه الحرفة غير متاحة لكل من هبّ ودب. فخطأ واحد في التعرف على الطريدة قد يؤدي إلى الموت. وقال "عليك أن تبرهن أنك محترف وتتمتع بقدر كبير من الجرأة للقيام بهذا العمل". فهو ظل يتعقب ويصطاد الأفاعي والثعابين لنحو ثلاثين سنة. إذ يسيح في الأرض والجبال في بعض فترات السنة باحثا ولأسابيع باحثا عن بعضها.
وفي قلب الساحة العامة هذه، يقف بائعو الماء ومدربو القردة سعيا لانتباه السائحين. أما الزخرفة والوشم بالحناء فتتمكن من استهواء العديد من المغاربة والأجانب. سميرة لعطافي، البالغة 21 عاما، ظلت تقوم بهذه المهنة لأربع سنوات. فهي طالبة وتعمل في المساء لتمويل دراستها. وتمارس المهنة التي تعلمتها على يد خالتها وأصبحت في حاجة إليها منذ نعومة أظافرها.
تتحول الساحة في الليل إلى مطاعم فارهة إذ يبدأ الباعة بإقامة طاولات ومواقف تقديم الطعام حيث يجلس الناس مغاربة وأجانب لتناوله. فترى جميع الأطباق التقليدية الشهية المغربية تُعرض بأسعار معقولة تغوي حتى المغاربة ذاتهم في الجلوس لمائدة يشرف على إعدادها طباخون مهرة. أما الخدّام الذين بحُكم الدربة تلقنوا بعض الجمل بلغات أجنبية فيجرؤون على التواصل مع السائحين لاستقطابهم للموائد. والمنظر العام مُحاط بسلسلة من عربات بيع عصير البرتقال الطري.
مراكش التي تُميزها بشدة الفنون والثقافة الأندلسية ما زالت تحمل آثار ذلك الماضي المجيد. فهي موقع فريد مليء بالترفيه ويستهوي السائح من مختلف أركان العالم الأربعة. جامع الفنا يبقى شاهدا وفيا على ذلك التنوع والاعتزاز بماضيه الذاتي.